الحلقة الثالثة والعشرون من التأملات القرآنية


الحلقة الثالثة والعشرون من التأملات القرآنية
بقلم د. أحمد عبد الخالق
خلق الأمـــانة
حمدا لله تعالى، وصلاة وسلاما على الرسول الأمين والنبي الكريم، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن سار على نهجه واتبع هديه إلى يوم الدين. وبعد


فإن تأملاتنا في هذه الحلقة، سوف تكون حول خلق الأمانة، التي عزت - أي صارت قليلة- في هذا الزمان، فأصبحت من النوادر، التي يقل وجودها في عالم اليوم، حيث يقول الرسول r: [أول ما تفتقدون من دينكم الأمانة]  ولقوله عليه الصلاة والسلام: [إن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال، ثم نزل القرآن فعلموا من القرآن وعلموا من السنة، ينام الرجل النومة، فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل الوكت، ثم ينام النومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل المجل، كجمر دحرجته على رجلك فنفط، فتراه منتبرا وليس فيه شيء. فيصبح الناس يتبايعون لا يكاد أحد يؤدي الأمانة، حتى يقال إن في بني فلان رجلا أمينا، حتى يقال: للرجل ما أجلده ما أظرفه ما أعقله وما في قلبه حبة خردل من إيمان].
إنها الأمانة، التي أبت السماوات والأرض، أن يحملنها، لا عصيانا لله تعالى، بل شفقة منها وتقديرا لها، كما قال القرآن الكريم: ]إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً. لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً[([1])
إن الالتزام بالإسلام، منهجاً وسلوكاً وعقيدة وشريعة، لابد له من ثمرة تكون واضحة على سلوكيات المسلم وأخلاقياته. ومن هذه الثمار: الأخلاق، التي بعث الرسول r، ليتممها ويغرسها في نفوس المسلمين، حتى تصير لهم طبعا وسلوكًا. قال r: [إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق].ومن هذه الأخلاق التي سوف أتناولها في هذ الحلقة: خلق الأمانة.
إن الإسلام الحنيف يرقب من معتنقه أن يكون ذا ضمير يقظ، تصان به حقوق الله وحقوق الناس، وتحرس به الأعمال من دواعي التفريط والإهمال. ومن ثَم أوجب على المسلم أن يكون أميناً.
والأمانة في نظر الشارع واسعة الدلالة، وهي ترمز إلى معان شتى، مناطها جميعاً شعور المرء بتبعته في كل أمر يوكل إليه, وإدراكه الجازم بأنه مسؤول عنه أمام ربه على النحو الذي فصله الحديث الشريف: [كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسؤولة عن رعيتها، والخادم في مال سيده راع وهو مسؤول عن رعيته] قال ابن عمر راوي الحديث: سمعت هؤلاء من النبي r، وأحسبه قال: [الرجل في مال أبيه راع وهو مسؤول عن رعيته].
والعوام من الناس يقصرون الأمانة في أضيق معانيها وآخرها ترتيباً، وهو حفظ الودائع، مع أن حقيقتها في دين الله أضخم وأثقل.


[1] - ســورة الأحزاب:72، 73
وإنها الفريضة، التي يتواصى المسلمون برعايتها ويستعينون بالله على حفظها. حتى إنه عندما يكون أحدهم على أهبة سفر، يقول له أخوه: [أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك]. وعن أنس قال: [ما خطبنا رسول الله r، إلا قال: [لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لاعهد له].
ولما كانت السعادة القصوى، أن يوقى الإنسان شقاء العيش في الدنيا، وسوء المنقلب في الأخرى، فإن رسول الله r جمع في استعاذته بين الحالين معاً، إذ قال: [ اللهم إني أعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع، وأعوذ بك من الخيانة فإنها بئست البطانة]. فالجوع ضياع الدنيا، والخيانة ضياع الدين.
والأمانة خلق كريم من أخلاق الإسلام، وصفة لازمة لأنبياء الله ورسله عليهم جميعا صلوات الله وتسليماته،
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بعثته الشريفة، كان يلقب بين قومه بالصادق الأمين. ولقد بلغ من أمانته r، أن المشركين كانوا يحفظون ودائعهم وأماناتهم عنده r في الوقت، الذي كانوا يدبرون فيه الخلاص منه عليه الصلاة والسلام بالقتل.
ولقد شوهدت مخايل الأمانة على سيدنا موسى عليه السلام، حين سقى لابنتي الرجل الصالح ورفق بهما، واحترم أنوثتهما، وكان معهما عفيفاً شريفاً: ]فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَال رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ . فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ . قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ[([1])  القصص  وقد حدث هذا قبل أن يتبأ موسى عليه السلام ويرسل إلى فرعون.    
ولا عجب في ذلك فرسل الله تعالى يختارون من أشرف الناس طباعاً، وأزكاهم معادناً، والنفس، التي تظل معتصمة بالفضيلة-على شدة الفقر ووحشة الغربة- هي لرجل قوي أمين. والمحافظة على حقوق الله وحقوق العباد، تتطلب خلقا لايتغير باختلاف الأيام بين نُعمَى وبُؤسَى، وذلك جوهر الأمانة.
وإذا كانت الأمانة صفة لازمة لأنبياء الله ورسله، فإنها بالتالي قد أصبحت صفة للمؤمنين الصادقين الذين يستحقون الجنة، حيث إن الله تعالى ذكر الأمانة من صفات أهل الجنة في سورتي المؤمنون والمعارج.
فقال تعالى: ]قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ . الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاة فَاعِلُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ . إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ . فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ . أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ . الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ[([2])
ِوقال تعالى: ]إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا . إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا . وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا . إِلَّا الْمُصَلِّينَ . الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ . وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ . لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ . وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ . وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ . إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ . وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ . إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ


[1] -ســورة القصص:24- 26
[2] - ســورة المؤمنون:1- 11
أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ . فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ . وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ . أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ[([1])
وللأمانة مفاهيم ومجالات كثيرة، منها: الوظائف والتكاليف، والأسرار، التي يؤتمن عليها والودائع والأمانات، والجوارح والفرائض، التي أفترضها الله على عباده، وبالجملة فإن الدين كله يعتبر أمانة في عنق معتنقيه. ولكني، سوف أتعرض لجانب من جوانب الأمانة بشيء من التفصيل في هذه الحلقة، ألا وهو: أن تعين أخاك المسلم على أن يفهم دينه فهما صحيحاً، وأن تزيل ما في فكره من شبهات، وما في نفسه من وساوس، حتى تعينه على طاعة الله تعالى.            
وقد رأيت أنه من الأمانة أن أكشف عن الشبهات والوساوس، التي تتعلق بمسألة الإنفاق في سبيل الله تعالى. فإن المسلم، إذا أراد أن ينفق، جاءه الشيطان وحمله هموم المستقبل وخوفه من الفقر وقال له : إياك، إياك أن تنفق، فإن أولادك وزوجك أولى بكل هذا، ضمانا لمستقبلهم وحفاظا عليهم من تقلبات الأيام.
قال الله تعالى:﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ[([2])
والعجيب أن الإنسان يسارع في التصديق بالجزء الأول من الآية، ويكذب بالجزء الثاني من نفس الآية، فالجزء الأول: ]الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ[ والجزء الثاني الذي يكذب به: ﴿ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ[ ويكذب أيضا بقول الله تعالى: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ[([3])  فكيف يصدقُ المسلمُ الشيطانَ ويكذبُ الرحمنَ؟؟؟.ولمَ يثق المسلمُ في أقوال الشيطان، ولا يثقُ في أقوال الرحمن؟؟؟
يسأل الإنسان نفسه دائما هذه الأسئلة: لماذا أنفق؟ وما الذي يعود علي من وراء ذلك؟ وأين ما وعدنا الله به في القرآن من زيادة في الأموال؟ لماذا لا أجد العشرة بين يدي قد صارت مائة؟ وكل ذلك وساوس يأتي بها الشيطان، ليمنع الخير عن المسلم.
أما السؤال الأول: لماذا أنفق؟ فالجواب على ذلك: لأن الله تعالى أمر بذلك، ليطهرنا من شح النفس، الذي يدخل صاحبه جهنم والعياذ بالله عز وجل، قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ[ ([4])  
وقال تعالى:﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ[([5]) 
وعندما تتبعت الآيات التي ذكرت الإنفاق في القرآن وجدت: أن الله تعالى قد ذكر الإنفاق بصيغة الفعل الماضي ثمانية عشرة مرة (18). وذكر الإنفاق بصيغة الفعل المضارع إحدى وأربعين مرة (41). وذكر الإنفاق بصيغة فعل الأمر تسع مرات (9). وذكر كلمة ﴿نفقة﴾مفردة، مرتين. وذكر كلمة﴿نفقات﴾ جمعا، مرة واحدة. وذكر كلمة ﴿الإنفاق﴾ مرة واحدة. وذكر كلمة ﴿المنفقين﴾ مرة واحدة، فيكون مجموع ما ذكر في الإنفاق ثلاثة وسبعون موضعا (73). هذا بخلاف ما ذكر بصيغة الصدقة والتصدق إلى آخر كل ذلك. فهل سأل كل منا نفسه لماذا أكثر الله تعالى من ذكر الإنفاق والأمر به


[1] - ســورة المعارج:19- 35
[2] - ســورة البقرة:268
[3] - ســورة البقرة:261
[4] - ســورة الحشر:9
[5] - ســورة التوبة:103
في كثير من آيات القرأن الكريم؟ والإجابة عن ذلك: لعلمه بضعف إيماننا، وتملك الشح من قلوبنا.قال تعالى:﴿ هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ[([1]) هذا بخلاف ما ذكره الرسول r في السنة المطهرة، مثل قوله عليه الصلاة والسلام: [ما نقص مال من صدقة]
ثم إنني أريد أن أسأل المتشكك في أمر الإنفاق: هل سأل نفسه هذه الأسئلة وهو يدفع الضرائب؟ هل قال: لماذا أدفعها؟ وماذا سأستفيد منها؟ أم أنه يدفعها طوعا دون تأخير لها.
ياقوم، ماذا جرى للناس، وكيف يفكرون؟ عندما يطلب منهم غير الله أن يدفعوا ثلث أموالهم، كضرائب يطيعون، وعندما يطلب منهم خالقهم ورازقهم أن يدفعوا شيئا مما أعطاهم يمنعون؟ وهو الذي يعطى ويمنع ويخفض ويرفع ويعز ويذل. قال تعالى: ﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْك مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِل مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ . تُولِجُ اللَّيْلَ َُّ فِي الْنَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّت وَتُخْرِجُ الَمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ[([2])
ألم يسمعوا قول الله تعالى : ﴿ وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ . وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ[([3])
ألم يسمعوا قول الله تعالى: ﴿آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ[ ([4]). ألم يسمعوا قول الله تعالى:﴿ وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ[([5])
أما كونه يقول: وماذا يعود علي من الإنفاق؟ فإني أقول: إننا مازلنا ننظر إلى العائد المادي فقط، وهذا فهم قاصر، وأريدك أن تحسب معي إذا مرضت، أو مرض أحد من عندك فكم يكلفك علاجه؟ فإذا رفع الله عنك هذا البلاء، أفلا يجب عليك، أن تشكر الله على هذه النعمة، وأن تحمد الله على هذا الحال المستور الذي خصك الله به؟ ألا يكفيك أن الله قد سترك، ولم يحوجك إلى أحد من خلقه ؟ أما سمعت قول الرسول r:[داووا مرضاكم بالصدقة وحصنوا أموالكم بالزكاة]
إن الأمانة توجب علينا الكثير من الأمور، من دعوة إلى الله تعالى، وأمر بمعروف ونهي عن منكر، وتبصير الناس بالحق، وإتقان الأعمال والإخلاص فيها، والصدق مع الله تعالى ومع الناس، إلى غير ذلك مما تطلبه الأمانة. أأل الله تعالى، أن يرزقنا الأمانة، وأن يعيننا على أدائها والقيام بحقها. والله ولي ذلك وهو القادر عليه.




[1] - ســورة محمد:38
[2] - ســورة آل عمران:26 ، 27
[3] - ســورة المنافقون:10، 11
[4] - ســورة الحديد:7
[5] - ســورة النور:32