فتوى حكم صلاة قيام الليل في جماعة

حكم صلاة قيام الليل في جماعة
د. أحمد عبد الخالق
حمدا لله تعالى، وصلاة وسلاما على سيدنا رسول الله r وعلى آله وصحبه ومن والاه. وبعد. فقد ورد سؤال: عن حكم صلاة قيام الليل في جماعة، (غير صلاة التراويح)؟.
وبعد بحث هذه المسألة، فقد خرجت بالآتي:
أولا: فقد وردت جملة من الأحاديث الصحيحة والصريحة، التي تبين جواز صلاة قيام الليل في جماعة، دون منازع، ولا معارض. ومن هذه الأحاديث:
1 - حدثنا عبد الله بن عامر بن زرارة وسويد بن سعيد قالا: حدثنا علي بن مسهر، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن عبد الله قال: صليت ذات ليلة مع رسول الله r فلم يزل قائما، حتى هممت بأمر سوء. قلت: وما ذاك الأمر؟ قال: هممت أن أجلس وأتركه.]([1])
وقد استنبط الإمام النووي من هذا الحديث وغيره عدة أحكام: فقال: وفي الحديث: أنه ينبغي الأدب مع الأئمة والكبار. وأن لا يخالفوا بفعل ولا قول ما لم يكن حراما. واتفق العلماء على أنه، إذا شق على المقتدى في فريضة، أو نافلة القيام وعجز عنه، جاز له القعود، وإنما لم يقعد بن مسعود للتأدب مع النبي r.وفيه جواز الاقتداء في غير المكتوبات. وفيه استحباب تطويل صلاة الليل.([2]) وهذا حكم عام يشمل كل نافلة بلا تفريق بين التراويح وقيام الليل.
2 –  أخبرنا الحسين بن منصور. قال: حدثنا عبد الله بن نمير. قال: حدثنا الأعمش عن سعد بن عبيدة، عن المستورد بن الأحنف، عن صلة بن زفر، عن حذيفة قال: صليت مع النبي r ليلة، فافتتح البقرة، فقلت: يركع عند المائة، فمضى. فقلت: يركع عند المائتين، فمضى. فقلت: يصلي بها في ركعة، فمضى. فافتتح النساء، فقرأها، ثم افتتح آل عمران، فقرأها. يقرأ مترسلا، إذا مر بآية فيها تسبيح، سبح. وإذا مر بسؤال، سأل. وإذا مر بتعوذ، تعوذ، ثم ركع، فقال: سبحان ربي العظيم، فكان ركوعه نحوا من قيامه، ثم رفع رأسه، فقال: سمع الله لمن حمده، فكان قيامه قريبا من ركوعه، ثم سجد فجعل يقول: سبحان ربي الأعلى، فكان سجوده قريبا من ركوعه.]([3])
يقول الإمام الشوكاني في نيل الأوطار: ( والحديث ) أيضا يدل على استحباب تطويل صلاة الليل، وجواز الائتمام في النافلة. ([4]) والائتمام، هو أن يأتم مأموم بإمام في صلاة النافلة، ومن هذه النوافل قيام الليل إذ الحديث وارد فيها، دون تأويل، وشأن قيام الليل، شأن التراويح، وليس لأحد أن يفرق بينهما في الحكم بدون دليل.



[1] - قال الشيخ الألباني: حديث صحيح. أخرجه ابن ماجة في السنن ﺟ/1ﺻ/456 حديث رقم/1418 وذكره الترمذي في مختصر الشمائل، تحقيق الشيخ/ محمد ناصر الدين الألباني
[2] - شرح النووي على صحيح مسلم ﺟ/6 ﺻ/63
[3] - قال الشيخ الألباني: حديث صحيح. أخرجه النسائي في سننه ﺟ/3 ﺻ/225 حديث رقم/1664. وأخرجه الإمام مسلم في صحيحه ﺟ/1 ﺻ/536
[4] - نيل الأوطار للشوكاني. ﺟ/2 ﺻ/252



3 - قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه :  ( البخاري ومسلم ) ( صليت مع النبي r ليلة فلم يزل قائما حتى هممت بأمر سوء قيل : وما هممت ؟ قال : هممت أن أقعد وأذر النبي r  .  وقال حذيفة بن اليمان :  ( مسلم والنسائي ) ( صليت مع النبي r ذات ليلة فافتتح البقرة فقلت يركع عند المائة ثم مضى فقلت : يصلي بها في [ ركعتين ] فمضى فقلت : يركع بها ثم افتتح النساء فقرأها ثم افتتح آل عمران فقرأها يقرأ مترسلا إذا مر بآية فيها تسبيح سبح وإذا مر بسؤال سأل وإذا مر بتعوذ تعوذ ثم ركع . . . ) الحديث ([1])
ثانيا:لم يرد نهي عن رسول الله r لا في حديث صحيح ولا ضعيف عن قيام الليل في جماعة، بل العكس هو الصحيح، وهو إقرار الرسول rما فعله الصحابة الذين صلوا خلفه، فلم ينههم، أو يعنفهم، أو يبين لهم أن ما فعلوه غير صحيح.
كما أشير إلى أن هذه الصلاة كانت في المسجد، حيث رأى هؤلاء الصحابة الرسول rوهو يصلي فأتموا به. ولا يعقل أنهم اقتحموا عليه البيت، ليصلوا خلفه، لأنه لا يجوز دخول البيوت بغير إذن أصحابها، فما بالك إذا كان ذلك بالليل.
ثالثا:أن علماء الحرم يصلون قيام الليل في رمضان بعد التراويح، ولم ينكر عليهم أحد من أهل السنة لا من أهل الحجاز، ولا من أهل الشام، ولا من أي قطر من أقطار العالم، وما سمعنا أحدا يتكلم عنهم فيما يخص هذه المسألة.
رابعا: أن قيام الليل خلف قارئ متقن مخلص، يعين على الخشوع، فيساعد الناس على ترقيق قلوبهم، خاصة بعد أن قست القلوب وتحجرت. وليس أمام الناس فرصة إلا في رمضان، فلماذا نغلق الأبواب في وجوه الناس، ونقف حائلا بينهم وبين طاعة قد تفتح عليهم كثيرا من أبواب الخير. فمن أعطانا هذا الحق؟ . كما أن الكثير من الناس لا يحفظون القرآن ولا يمكنهم قراءته قراءة صحيحة. أضف إلى ذلك أن الشيطان قد يضعف همة الإنسان المنفرد، فيقعده عن القيام، لكنهم في الجماعة يشد بعضهم بعضا، ويعين بعضهم بعضا.
وأخيرا فإني أقول: لا يجوز التسرع في الفتاوى، بل لا يجوز الفتوى بغير علم، حتى لا يتحمل المفتي أوزار الآخرين، وعلى أئمة المراكز الإسلامية أن يتقوا الله في المسلمين. والله أعلم.
                                                                            د. أحمد عبد الخالق



[1] - صفة صلاة النبي r للألباني ﺻ/118