وافعلوا الخير لعلكم تفلحون

وافعلوا الخير لعلكم تفلحون
الحمد لله والصلاة والسلام علي سيدنا رسول الله وعلي اله وصحبه ومن والاه . وبعد فان الخير سمةُُُُ من السمات الأصلية في كل مؤمنٍ فهو مصدر كل خير وهو الحريص علي كل خير وهو الذي لا يشبع من الخير حتى يكون منتهاه الجنة .
وللخير أبواب كثيرة ولا يمكن حصرها في مقالة ، ولكننا سوف نتحدث في الخير ومجالاته في مقالات متتالية راجيا أن أكون من الداعين إلي الخير " الدال علي الخير كفاعله " .
وسوف تكون حلقة العدد حول الحديث الصحيح الذي رواه الترمذي عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول : (يا أيها الناس افشوا السلام وأطعموا الطعام ، وصلوا الأرحام ، وصلوا والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام "



إفشاء الســـلام :
ما أحوجنا نحن المسلمين إلي مجتمع متحاب ، ومتآلف ، ومتعاطف ، يسوده الحب ويتربع علي عرشه الأمن والأمان . وبذلك يعرف كل منهم الآخر ويسال عنه ، ويتفقد كل منهم الآخر . ولن يتحقق شيء من ذلك إلا إذا افشينا السلام بيننا ، فهو تحية الإسلام وتحية أهل الجنة ، وبه تتميز الشخصية المسلمة ، وتبرز معالمها في المجتمع المسلم .
أو ما قرأت أخي الكريم قول النبي صلي الله عليه وسلم : (لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا ، أولا أدلكم علي شيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ افشوا السلام بينكم " رواه مسلم .
أن رسولها صلي الله عليه وسلم يبين لنا أن الجنة محرمة علي الكافر . اذاً لابد من الإيمان وان الإيمان لن يتحقق إلا بالحب وذلك كما قال عليه الصلاة والسلام في حديث آخر " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " . ثم أن هذا الحب لا يمكن أن يأتي وحدة بل لابد له من أسباب واهم هذه الأسباب : إفشاء السلام . وذلك أن الله تعالي جعل إشاعة السلام وإذاعته سببا للتوادد .
ولما عرف أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم هذا الخبر حرصوا عليه حرصاً شديدا وطبقوه تطبيقا دقيقا لقد  دوت كتب السنة أن الطفيل من أبي بن كعب كان يأتي عبد الله بن عمر فيغدو معه إلي السوق ، قال : فإذا غدونا إلي السوق لم يمر عبد الله علي سقاطٍ – بياع رديء المتاع – ولا صاحب بيعة – أي صاحب بيعة نفيسة – ولا مسكين ، ولا احدٍ إلا سلم عليه ، قال الطفيل : فجئت  عبد الله بن عمر يوما فاستتبعني – أي طلب مني أن اتبعه إلي السوق ، فقلت له : ما تصنع بالسوق ، وأنت لا تقف علي البيع ولا تسال عن السلع ولا تسوم بها ، ولا تجلس في مجالس السوق ؟ وأقول : اجلس بنا ها هنا نتحدث ، فقال : يا أبا بطن وكان الطفيل ذا بطنٍ إنما نغدوا من اجل السلام ، نسلم علي  من لقيناه " رواه مالك بإسناد صحيح .
ألا ليت قومي يعلمون بهذا الخير الذي لا يكلفهم درهما ولا ديناراً ، ولكنه يكلفهم قلوباً صافية ، ووجوه باشة ومشاركة في الخير أينما وجد !
الم تعلم أخي القارئ بان كل كلمة في تحية الإسلام لها عشر حسنات ؟ فإذا قلت : السلام عليكم . أخذت عشر حسنات ، وإذا قلت السلام عليكم ورحمة الله أخذت عشرين حسنة وإذا قلت السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . أخذت ثلاثين حسنة .
يروي عمر بن الحصين رضي الله عنهما أن رجلا جاء إلي النبي صلي الله عليه وسلم فقال : السلام عليكم ، فرد عليه ثم جلس فقال النبي صلي الله عليه وسلم : " عشرُُ " ثم جاء آخر فقال السلام عليكم ورحمة الله ، فرد عليه فجلس فقال " عشرون " ، ثم جاء آخر فقال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، فرد عليه فجلس ، فقال : "ثلاثون" رواه أبو داود .
أخي القارئ . افعل الخير من حيث هو خير لك وللناس ، وتاجر مع ربك ، وشارك الناس أفراحهم واترحهم . والزم أدب الإسلام في إفشاء السلام . فليسلم الراكب علي الماشي وليسلم الماشي علي القاعد ، وليسلم القليل علي الكثير وليسلم الصغير علي الكبير . سلم علي من تعرف ومن لا تعرف من المسلمين رجالا ونساءاً وصبياناً . املأ الدنيا سلاما واسمع الناس الخير وعلم الناس الخير واجعل لسانك رطبا من ذكر الله تكن مطمئن القلب هادئ النفس .
الست معي أخي القارئ بعد أن قرأت ما قرأت في أن تحية الإسلام خير وابقي مما تفشي في مجتمعنا من تحية لا تمت للإسلام بصلة مما ادخله علينا أعداؤنا وغزوا به أفكارنا ، اعتقد أن قومي جادين في فعل الخير ممتثلين لأمر الله تعالي " وافعلوا الخير لعلكم تفلحون " .


اطعام الطعام :
أن إطعام الطعام وبذله للفقراء والمساكين واليتامى والمحتاجين ليدل علي إيمان راسخ وقلب تقي نقي ، ويدل أيضا علي أن الدنيا لها عند المؤمن الصادق وان الآخرة خير وأبقى بل أن إطعام الطعام ليدل أيضا علي حب المسلم لإخوانه ، وانه مهتم بأمورهم يسعى دائما لإسعادهم ٍ وإدخال السرور عليهم ولذلك فانه المسلم يتفقد إخوانه المسلمين ليعرف الضعفة والمساكين وذوي الحاجات . بل أن إطعام الطعام ليدل بكل وضوح علي مدى استجابة العبد لمولاه حين قال "وافعلوا الخير لعلكم تفلحون "
ولقد كان قدوتنا صلي الله عليه وسلم حريصا علي إشباع الجائع حتى انه عليه الصلاة والسلام ليجعل ذلك من كمال الإيمان فيقول " لا يؤمن أحدكم من بات شبعان وجاره جائع" وها هو ذا رسول الله صلي الله عليه وسلم يأمر أصحاب اليسر من أمته بان يطعموا الجائع ويفكو الأسر ويعودوا المرضى فيقول " أطعموا الجائع وعودوا المريض وفكوا العاني " رواه البخاري .
وفي الحديث القدسي أن الله عز وجل يقول يوم القيامة يا يابن آدم ، مرضت فلم تعدني ، قال : يارب وكيف أعودك وأنت رب العالمين ؟ قال : أما علمت أنا عبدي فلان مرض فلم تعده ؟ أما علمت انك لو عدته قال : أما علمت انه استطعمك  عبدي فلان فلم تطعمه أما علمت انك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي ؟ يابن ادم استسقيتك فلم تسقني ، قال كيف أسقيك وأنت رب العالمين ؟ قال : استسقا عبدي فلان فلم تسقه ، أما انك لو سقيته لوجدت ذلك عندي " رواه مسلم .
ولقد علمنا النبي صلي الله عليه وسلم الجود والكرم بما عندنا دون تكلف حتى لا نبخل بأي شيء عندنا وبذلك نستطيع أن نسد حاجة الجائع والمحتاج بقول أبو هريرة رضي الله عنه : أصابني جهد شديد فلقيت غير بعيد فخررت لوجهي من الجهد والجوع ، فإذا رسول الله صلي الله عليه وسلم قائم علي راسي فقال " يا أبا هريرة فقلت لبيك رسول الله وسعديك فاخذ بيدي فأقامني وعرف الذي بي فانطلق بي إلي دحْلِهِ فأمر لي بعُسًًّ أي قدح كبير من لبن فشربت منهى ثم قال عد فاشرب يا أبا هرْ ، فعدت فشربت ، ثم قال عد فعدت فشربت حتى استوى بطني فصار كالقدح أي كالسهم الذي لا ريش له - . قال فلقيت عمر وذكرت له الذي كان من أمري وقلت له تولى ذلك من كان أحق به منك يا عمر والله لقد اسقراتك الآية ولانا اقرأ لها منك قال عمر : والله لان أكون أدخلتك أحب إلي من أن يكون لي مثل حمر النعم "
ومعني ذلك أن عمر رضي عنه تأسف علي عدم إطعام أبي هريرة رضي الله عنه وقال : لان أكون قد أدخلتك وأطعمتك أحب إلي من اقتناء أفضل أنواع الإبل .
لقد علم النبي صلي الله عليه وسلم أصحابه الكرم فتعلموا وفقهوا ، واستوعبوا الدرس جيدا فظهرت فيهم وحولها صبيان يبكون ! وإذ يدر علي النار قد ملأتها ماءً ! فدنا عمر من الباب فقال يا امة الله ! ما بكاء هؤلاء الصبيان ؟ قالت بكاؤهم من الجوع ، قال فما هذا القدر التي علي النار ؟ قالت : قد جعلت ماءً هو ذا أعللهم به – حتى يناموا وأوهمهم أن فيها شيئا . فبكى عمر ثم جاء إلي دار الصدقة واخذ غرارة أي كيسا كبيرا – وجعل فيها شيئا من دقيق وشحم وسمن وتمر وثياب ودراهم حتى ملا الغرارة ثم قال : يا اسلم ! احمل علي ! فقلت : يا أمير المؤمنين ! أنا احمله عنك ، فقال لي : لا أم لك يا اسلم أنا احمله لأني أنا المسئول عنهم في الآخرة ، فحمله حتى اتي به المنزل المرأة فاخذ القدر فجعل فيها دقيقا وشيئا من شحم وتمر وجعل يحركه بيده وينفخ تحت القدر ، فرأيت الدخان يخرج من خلال لحيته حتى طبخ لهم ، ثم جعل يغرف بيده ويطعمهم حتى شبعوا . ثم خرج وربض بحذائهم أي قريب منهم – كأنه سبع يقول اسلم : وخفت أن اكلمه فلم يزل كذلك حتى لعب الصبيان وضحكوا ثم قام فقال : يا اسلم تدري لم ربضت بحذائهم ؟ قلت لا ، قال : رايتهم يبكون فكرهت أن اذهب وادعهم حتى أراهم يضحكون فلما ضحكوا طابت نفسي .
أخي القارئ الست معي في أن إطعام الطعام من أعظم أبواب الخير ؟ وان تفريج كربة الكروب من اجل ما يقدمه مسلم لأخيه المسلم ، بل لأخيه الإنسان بل أن هناك ما هو اغرب من هذا وهو تقديم العون من طعام وشراب للحيوان . فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال : " بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش فوجد بئرا فنزل فيها فشرب ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثري من العطش فقال الرجل لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان قد بلغ مني ، فنزل البئر فملأ خفه ماءً ثم امسكه بفيه حتى رقى فسقي الكلب فشكر الله له فغفر له ، قالوا يا رسول الله وان لنا في البهائم أجرا ؟ فقال " فقال في كل كبد رطبة اجر" متفق عليه .
أن ديننا الحنيف يدعونا إلي أن نكون متفاعلين مع إخواننا المسلمين في كل بقعة من بقاع الأرض فلا تنس يا أخي إخوانك في العقيدة في كشمير وبورما والبوسنة والشيشان وفلسطين وغيره من الأماكن التي يعاني فيها المسلمون من ظلم واضطهاد وقتل وتشريد . لا تنس اليتامي والأرامل والمساكين والمحتاجين . ولا تنس المرضى والجرحى والثكلي والمشردين . هؤلاء جميعا في انتظارك لتمد إليهم يد العون والمساعدة لتعيد إليهم البسمة والفرحة ، وتمسح عنهم الدمعة الحزينة ، وتغرس فيهم الأمل في حياة كلها عز وسعادة آملين أن يتحقق ذلك والله يثيبكم علي الخير بخير عظيم .
( وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا واستغفروا الله أن الله غفورُُ رحيم) المزمل /20 ،   ويقول ربنا سبحانه وتعالي : ( وما تفعلوا من خير فان الله به عليم ) البقرة /273

صلة الأرحـــام :
أن البر وصلة الرحم حسنات يذهبن السيئات ، وذلك لان الرسول صلي الله عليه وسلم قد حث أمته علي البر وصلة الرحم فقال : ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل الذي إذا انقطعت رحمة وصلها " رواه الترمذي" وحذرنا النبي عليه الصلاة والسلام من قطيعة الرحم تحذيرا شديداً فقال " لا يدخل الجنة قاطع " قال ابن أبي عمر قال سفيان : يعني قاطع رحم . رواه الترمذي .
واعتبر النبي صلي الله عليه وسلم أن الأولي بالبر والصلة بعد الأم : الخالة ، وذلك كما روي ابن عمر أن رجلا أتي النبي صلي الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أني أصبت ذنباً عظيما فهل لي من توبةٍ ؟ قال : " هل لك من أم ؟ قال : لا قال " هل لك من خالة ؟ قال : نعم ، قال فبرها" رواه الترمذي
والمعني أن صلة الرحم من جملة الحسنات اللاتي يذهبن السيئات فعلي المسلم العاقل الناقة أن يتاجر مع الله عز وجل فان ميادين الخير كثيرة فليغتنم منها ما يشاء .
وعلي الأبناء أن يعرفا قدر الآباء وحقوقهم فغداً سيكون الأبناء آباء وكما يدين المرء يدان وما تقدمه اليوم تراه غداً وما تزرعه اليوم تحصده غداً.
وعلي الآباء أن يعينوا الأبناء علي البر بهم حتى يضمنوا لأنفسهم دعوة صالحة يصلهم ثوابها في قبورهم وعلي الآباء والأقارب أن يحسنوا إلي من ولاهم الله عليهم ، وان يتقوا الله فيهم بان يحسنوا أدبهم وتعليمهم دينهم وان يوفروا لهم الحنان ليعوضونهم عمن فقدوه من أم أو أب أو منهما معاً .
وعلي الأقارب وذوي الأرحام أن يصلوا أرحامهم حيث أن صلة الرحم سبب في البركة في الأجل والرزق وذلك كما  قال صلي الله عليه وسلم " من سره النساء في الأجل والزيادة في العمر فليصل رحمه " .
أن المسلم الذي لا يهتم بأرحامه وأقاربه لا خير فيه للآخرين لأنه من المفترض أن يكون اهتمام المسلم أولا بأقرب الناس إليه من أم وخالة وعمة وأخت وبنت ... الخ . ثم الأبعد فالأبعد ، فإذا قل اهتمامه بأقرب الناس إليه فالآخرون من باب أولي سوف يحرمون منه ومن خيره .
ٍيروي أبو هريرة عن النبي صلي الله عليه وسلم انه قال : وخلق الله الخلق ، فلما فرغ منه قامت الرحم ألا ترضين ، أن اصل من وصلك واقطع من قطعك ؟ قالت بلي ، يارب قال ( فذاك لك ) قال أبو هريرة : اقرؤوا أن شئتم : ( فهل عسيتم أن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم ) سورة محمد/22 رواه البخاري .
ويقول الله تعالي في الحديث القدسي " أنا الرحمن ، وهي الرحم ، شققت لها اسماً من اسمي ، من وصلها وصلته ، ومن  قطعها بتته " أي قطعته .
احسب قراءنا الأغراء من الفاعلين للخير الحريصين عليه ، والداعين إليه واجبا من الله تعالي أن يتقبل منا عملنا هذا وان يجعله خالصا لوجهه الكريم حتى نعيش في الدنيا أغراء ونكون في الآخرة من السعداء انك يا ربنا سميع قريب مجيب الدعاء .




الصلاة بالليل والناس نيام :
أن صلاة ركعتين في جوف الليل كنز من كنوز الجنة . ففي صحيح البخاري ومسلم أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال " ينزل ربنا تبارك وتعالي إلي السماء الدنيا حين يبقي ثلث الليل الأخير يقول من يدعوني فاستجيب له ومن يسألني فأعطه ومن يستغفرني فاغفر له .
ويقول النبي صلي الله عليه وسلم أيضا " عليكم بقيام الليل فانه دأب الصالحين قبلكم وهو قربة لكم إلي ربكم ومكفرة للسيئات ومنهاة عن الإثم " .
فواظب علي القيام واصبر علي هذا اياماً قلائل رجاءً لاستراحة ابد الآباء وأي شرف بقوًّام الليل؟ حيث يقرنون بالحبيب محمد صلي الله عليه وسلم . قال تعالي ( أن ربك يعلم انك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك ) المزمل جزء من الآية /20
واني بهم وقلوبهم وجلة وأنفسهم مرعوبة وجوارحهم مضطربة وأعينهم باكية في لياليهم ساهرة قال تعالي : ( امن هو قانت أناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه ) الزمر /9 – نعم تنبو جنوبهم عن الفراش فلا تطمئن ( والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما ) الفرقان /64 (تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ) السجدة /17
لقد مدح النبي صلي الله عليه وسلم عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ألا أن النبي عليه الصلاة والسلام عاب علي عبد الله بن عمر انه لا يكثر من قيام الليل فقال عليه الصلاة والسلام ( نعم الرجل عبد الله بن عمر .... لو كان يصلي من الليل ) هكذا خاطب الحبيب صلي الله عليه وسلم ابن عمر فو الله ما فاتته بعد ذلك ليلة حتى يقوم فيها .. وهكذا يكون المسلم الصادق الباحث عن الخير الحريص عليه يعلم ترتيبات الليل فالصلاة أول الليل للمجتهدين وقيام أوسطه للقانتين وقيام اخره للمصلين وقيامه من الفجر للغافلين .
أن أهل الليل ثلاثة أصناف قوم قطعهم الليل كابدوا الليل فغلبهم ، وقوم قطعوا الليل ، صبروا وصابروا الليل فغلبوه وقوم قطع بهم الليل نغص الليل عليهم حالهم وقصر النعيم عليهم ليلهم ورفع الحبيب عنهم نومهم وخف الفهم عليهم قيامهم .
وهكذا رجل الإسلام وجندي الحق .... في ليلة الذًّ من أهل اللهو في لهوهم رحم الله أبا سليمان كان يقول : لولا الليل ما أحببت البقاء في الدنيا . ويقول آخر ما بقي من لذات الدنيا ألا ثلاث قيام الليل ولقاء الأخوان والصلاة في جماعة .
فيا أخي الكريم .... أن لله نفحات في الليل والنهار تصيب القلوب المتيقظة وتخطئ بالقلوب النائمة أن لله عبادا يحبهم ويحبونه ، يشتاقون إليه ويشتاق إليهم ، فيذكرونه ويذكرهمٍ فإذا جن الليل واختلط الظلام وخلا كل حبيب بحبيبه تصبوا لله أقدامهم وافترشوا له وجوههم وناجوه بكلامه فبين صارخ وباك ومناوهٍ وشاكي وبين قائم وقاعد وبين راكع وساجد أول ما يعطيهم ربهم أن يقذف من نوره في قلوبهم فيخبرون عنه كما يخبر عنهم .
أخي القارئ كثيرا ما نفكر قبل النوم في قيام الليل وصلاة ركعتين تكشفان لنا ظلمة القبر وتكونان لنا نورا علي الصراط يوم القيامة ولكن سرعان ما يغلبنا النوم وتسيطر علينا شهواتنا فيا ترى ما هو السبب؟ قال رجل للحسن : يا أبا سعيد أني أبيت معافىً واحب قيام الليل واتخذ طهوري فما بالي لا أقوم ؟ فقال ذنوبك قيدتك يا ابن أخي .
وقال الثوري : حرمت قيام الليل خمسة اشهر بذنب أذنبته .
وإياك أخي من ثلاث تحرم بهن قيام الليل أكل الشهوات وإصرار علي الذنب وغلبة هم الدنيا علي القلب .
أن طول القيام راحات القيامة وان صلاة الليل كفارات الذنوب فكن يا أخي في قافلة الحق الداعين إليه وكن ورقة يانعة في شجرة الخير المباركة معتزا باسمي نداء من الله تعالي : ( يا أيها الذين امنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم ترحمون )
إلي اللقاء أخي القاري مع جولة أخرى من جولات الخير لعلنا نكون من أهله راجيا الله تعالي أن يجمعنا وإياكم في عليين " وما أدراك ما عليون كتاب مرقوم يشهده المقربون " كما أرجو الله تعالي كما جمعنا علي صفحات الخير أن يجمعنا في الفردوس الاعلي انه نعم المولي ونعم النصير ...
بقلم / أحمد محمد عبد الخالق